8
ﻻ ﺗﺘﺴﻊ ﻟﮭﺎ اﻟﻤﺠﻠﺪات،
ﻓﻜﻞ ﺣﺮف ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻜﻠﻤﺔ ﯾﻌﻨﻲ اﻟﺸﻘﺎء واﻟﺒﺆس ﻓ
ﻔﻲ ﻣﯿﻤﮭﺎ ﻣﺤﺪودﯾﺔ وﻣﻌﺎﻧﺎة وﻋﯿﻨﮭﺎ
ﻋﺐء وﻋﺪم
ﻓﺎﺋﺪة
وأﻟﻔﮭﺎ أﺣﻼم ﻣﺤﻄﻤﺔ أو ﻗﺎﺑﻌﺔ
ﻓﻲ اﻟﺨﯿﺎل وﻗﺎﻓﮭﺎ ﻗﺴﻮة اﻟﺤﯿﺎة وﺷﺪﺗﮭﺎ
.
وﯾﻤﻜﻦ أن أﻛﻮن ﺗ
ﻓﻲ ﺗﻔﻜﯿﺮي اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻋﻦ اﻹﻋﺎﻗﺔ وﻟﻜﻦ واﻗﻌﮭﺎ
ً
ﺸﺎؤﻣﯿﺎ
ﻛﻔﯿﻞ أن
ﯾ
ﻘﻠﺐ أﺟﻮاء ﺑﯿﺖ اﻹﻧﺴﺎن
اﻟﻤﻌﺎق إﻟﻰ أﺟﻮاء ﻻ ﺗﻄﺎق
ﺤﺘﻤﻞ،
ُ
وﻻ ﺗ
ﻓﻨﻔﺴﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎق
وﻣﺸﺎﻋﺮه
اﻟﻤﺘﺮدﯾﺔ ﺗﺨﺘﻠﻂ وﺗﺠﺘﻤﻊ ﺑﻤﺸﺎﻋﺮ اﻟﻮاﻟﺪﯾﻦ
ﻣﻦ اﻟﺘﻮﺗﺮ واﻟﺘﺮﻗﺐ واﻟﺨﯿﺒﺔ واﻟﺨﻮف ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ وﻧﺎھﯿ
ً
وﺑﺎﻗﻲ أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة ﻟﺘﺨﻠﻖ ﺟﻮا
ﻚ ﻋﻦ ﺿﻐﻮﻃﺎت
اﻟﻮﺿﻊ اﻻﻗ
ﺘﺼﺎدي اﻟﺴﻲء
وﻣﺼﺎرﯾﻒ اﻟﻌﻼﺟﺎت
وﺟﻤﯿﻌﮭﺎ
ﺆﺛﺗ
ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻗﻲ أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة وﺗ
ً
ﺮ ﺳﻠﺒﺎ
ﻌﯿﻖ ﻣﻦ ﺗﻘﺪم
ﺣﯿﺎﺗﮭﻢ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ واﻟﻤﮭﻨﯿﺔ
وﺗﻄﻮرھﺎ
.
وﻣﺎ ﻃﻤﺄن اﻟﻘﻠﺐ ﺑﻌﺾ اﻟﺸﻲء وﻣﻸ اﻟﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﻌﺰاء و
ﻦ وﻃﺄ
ِ
ﺧﻔﻒ ﻣ
ة
اﻟﺸﻘﺎء واﻟﮭﻤﻮم وﻋﺰز اﻟﺠﻠﺪ
واﻟﺜﺒﺎت ھﻮ
اﻟﺘﺴﻠﯿﻢ
ﺑ
ﻘﻀﺎء
اﷲ
ﺳﺒﺤﺎﻧﮫ
وﺗﻌﺎﻟﻰ ووﻋﻲ أﻓﺮاد اﻷﺳﺮة وﺗﻘﺒﻠﮭﻢ ﻟﻈﺮوف إﻋﺎﻗﺘﻲ،
وﺿﺮورة
رﻋﺎﯾﺘﻲ و
اﻻﻋﺘﻨﺎء ﺑﻲ
ﺑﺄﻣﺜﻞ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ وأﻓﻀﻠﮭﺎ
.
ﺧﻼل
ﻣﺮﺣﻠﺔ
اﻟﻄﻔﻮﻟﺔ اﻟﻤﺒﻜﺮة،
ﻟﻢ أﻛﻦ اﻋ
ﺑ ﻠﻢ
ﺄﻧﻨﻲ
ﺷﺨﺺ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻧﻤﻮه وﺟﺴﺪه ﻋﻦ أﻗﺮاﻧﮫ وﺑﻌﺒﺎرة أﺧﺮى
أﻧﻨﻲ إﻧﺴﺎن
"
ﻏﯿﺮ ﻃﺒﯿﻌﻲ
"،
ِ
وﻟﻢ أع
أﻧﻨﻲ ﻣﺼﺎب
ﺑﺈﻋﺎﻗﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ،
ﺣﺘﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻌﺎ
ق ﻟﻢ أ
ﻓﮭﻤﮭﺎ
ﻘﺪ ﻟ.
ُ
ﺑﯿﻦ ﻛﻨﺖ
اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ واﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻣﻦ ﻋﻤﺮي،
ﻗﺪراﺗﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮﯾﺔ ﻣﺤﺪودة
ﺗﻨﺎﺳﺐ ﻣﺴﺘﻮى ﺟﯿﻠﻲ
ً
اﻟﻤﺤﺪود أﯾﻀﺎ
وﻧ ،
ُ
ﺸﺄت
ُ
وﺗﺮﻋﺮﻋﺖ
ﻓﻲ وﺳﻂ أﺳﺮة ﻣﻨﺤﺘﻨﻲ ﻛﻞ ﻣﻌﺎﻧﻲ
اﻟﺮﻋﺎﯾﺔ واﻟﺤﺐ
، ﺤﻨﺎن واﻟ
ﺗﻨﻘﻠ ﺣﯿﺚ
ُ
ﺖ
ﻣﻦ ﺣﻀﻦ أﻣﻲ
ﻷﺣﻀﺎن أﺧﻮاﺗﻲ
ﻛﺎن إذ ،
ﻟﺪي ﺳﺒﻊ أﺧﻮ
ات وﺛﻼﺛﺔ إﺧﻮة
،
إﺿﺎﻓﺔ
ﺑﻲ وأﻣﻲ ﻷ
ً
، وﻋﺸﻨﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎ
ﺑﯿﺖ ﻓﻲ
ﻣﺘﻮاﺿﻊ ﺗﺄﻟﻒ ﻣﻦ
ﻏﺮﻓﺘﯿﻦ
وﻣﻄﺒﺦ ﺻﻐﯿﺮ،
وأﻣﺎﻣﮭ
ﻤﺎ ﺑﺎﺣﺔ ﺻﻐﯿﺮة
ﺑ ﺔﻓﻮﺴﻘﻣ
ﺎﻻﺳﺒﺴﺖ اﻟﻘﺪﯾﻢ
.
ﻟﻘﺪ
وﺿﻊ ﻋﺎﻧﯿﻨﺎ ﻣﻦ
اﻗﺘﺼﺎدي ﺳﻲ
ٍ
ء
، أﺑﻲ رﺣﻤﮫ اﷲ
ً
ﻋﻤﻞ ﺣﺎرﺳﺎ
ﻟﯿﻠﯿ
ً
ﺎ
ﻓﻲ إﺣﺪى اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ ﻓﻲ
ﻣﺪﯾﻨﺔ ﻧﺘﺎﻧﯿﺎ،
وﺑﺎﻟﻜﺎد
ﯿ ﺴﺘﻄﯾ ﻛﺎن
ّ
ﻊ ﺳﺪ
اﺣﺘﯿﺎﺟﺎﺗﻨﺎ ﻛﻠﮭﺎ، ﻛﻨﺖ أراه
ً
وﺣﺎﻣﻼ
ً
ﯾﻌﻮد ﻟﻠﺒﯿﺖ ﻣﻨﮭﻜﺎ
ﺑﯿﺪه
ﺑﻌﺾ
اﻟﺤﻠﻮى و
) ﺟﺮﯾﺪة
ﯾﺪﯾﻌﻮت اﺣﺮوﻧﻮت
(
اﻟﻌﺒﺮﯾﺔ، اﻟﺘﻲ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ ﺗﺄﺛﯿﺮ ودور ﻛﺒﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﺪراﺗﻲ اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ
واﻟﺘﻔﻜﯿﺮﯾﺔ
ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ
.
وﻟﻢ ﯾﻜﻦ ﯾﺬھﺐ
ً
ﻟﻠﻨﻮم إﻻ ﺑﻌﺪ ﻣﻼﻋﺒﺘﻲ وﻣﺪاﻋﺒﺘﻲ واﻻﻃﻤﺌﻨﺎن ﻋﻠﻲ، وأﺣﯿﺎﻧﺎ
ُ
ﻛﻨﺖ
أﻏﻔﻮ ﺑﯿﻦ ذراﻋﯿﮫ
ﺑﻌﺪ
أن
ﻛﺎن ﯾﻀﻌﻨﻲ ﻋﻠﻰ
اﻟﺪاﻓﺊ وﯾ ﺻﺪره
ﺮﺑﱢﺖ
ﻋﻠﻰ رأﺳﻲ
ﻓﺄﻏﻮص ﻓﻲ ﻧﻮم ﻋﻤﯿﻖ
،
و
أﻛﺜﺮ ﻣﺎ
أﺗﺬﻛﺮ
ه وﺑﻘﻲ ﻓﻲ ذھﻨﻲ ﻣﺒﺎھﺎﺗﻲ أﻣﺎم أﻃﻔﺎل اﻟﺤﺎرة
ﺑﺤﻤﻠﻲ ﻟ
ﻤﺴﺪس اﻟﻌﻤﻞ
اﻟﺬي ﻛﺎن ﺑﺤﻮزة أﺑﻲ إذ
ﻛﺎن
ﯾﻀﻌﮫ ﺑﯿﻦ ﯾﺪي وذﻟﻚ ﺑﻌﺪ
إﻓﺮاﻏﮫ ﻣﻦ اﻟﺮﺻﺎص ﺑﺼﻮرة ﻣﺆﻛﺪة
،
وﻛﺎن أﻃﻔﺎل اﻟﺤﺎرة
ً
ﯾﺄﺗﻮن ﺧﺼﯿﺼﺎ
ﻟﺮؤﯾﺔ اﻟﻤﺴﺪس
اﻟﻤﺨﯿﻒ
ُ
وﺑﺴﺬاﺟﺔ ﻃﻔﻞ ﻛﻨﺖ
اﻧﺘﮭﺰ اﻟﻔﺮﺻﺔ ﻷﺗﺒﺎھﻰ ﺑﻜﻞ ﻏﺮور وأرﻓﺾ ﻣﻨﺤﮭﻢ
ﺣﺘﻰ
ﻓﺮﺻﺔ
ﻟﻤﺴ
ﮫ أو ﺣﺘﻰ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﯿﮫ
.
ُ
ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ
ً
ﻣﺪﻟﻼ
ﻟﻠﻐﺎﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﯿﺖ
ﺑﺎﻟﻎو،
أﺑﻲ ﻓﻲ ﺗﺪﻟﯿﻠﻲ
وإرﺿﺎﺋﻲ ﺑﺸﺘﻰ اﻟﺴﺒﻞ
،
وﺣﺴﺐ أﻗﻮال أﻣﻲ
ُ
ﺣﻈﯿﺖ
ﺑﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﻣﻠﻔﺘﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﮫ
ﺗﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻣﻠﺘﮫ ﻹﺧﻮاﻧﻲ ﻓﻲ ﺻﻐﺮھﻢ،
ﺣﯿﺚ
ُ
ﺣﺼﻠﺖ
ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻃﻠﺒﺘ
،ﮫ
ﻟﺤﺮﺻﮫ ﻋﻠﻰ
رؤﯾﺔ اﺑﺘﺴﺎﻣﺘﻲ و
و ﺳﻌﺎدﺗﻲ
ﻋﺪم اﻟﺘﺴﺒﺐ ﺑﺒﻜﺎﺋﻲ
وﺑﺤﺰﻧﻲ
ُ
أﻣﻲ وﺳﺄﻟﺖ
ﻓﻲ اﺣﺪ اﻷﯾﺎم
ﻣﺎ ﺳﺮ ھﺬا
اﻟﺪﻻل وﺧﺎﺻﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﺑﻲ
!!
ُ
ﻓﻔﮭﻤﺖ
ﻣﻨﮭﺎ
أﻧﻨﻲ ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ
ُ
اﻣﺘﻠﻜﺖ
ﻗﺪرة
ﻣﻤﯿﺰة
ﻋﻠﻰ ﺟﺬب ﻗﻠﻮب اﻟﻤﺤﯿﻄﯿﻦ
وﻛﺴﺐ
ﻣﺤﺒﺘﮭﻢ
وﻣﻮدﺗﮭﻢ
،
ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ داﺋﻢ اﻻﺑﺘﺴﺎﻣﺔ
و
ﺧﻔﯿﻒ اﻟﻈﻞ و
ﻛﺜﯿﺮ اﻟ
ﻤﺮح، وﺳﻤ
ﺎت اﻟﻔﻄﻨﺔ
واﻟﺬﻛﺎء
ﺳﺮت
ﻓﻲ ﻋﺮوﻗﻲ
ﻣﻨﺬ اﻟﺼﻐﺮ
.